يتناول هذا التقرير القرار الأخير الذي اتخذه المجلس المحلي لمدينة جرابلس وريفها، التعميم الذي اصدر في 2 من تشرين الأول/أكتوبر 2023، والذي أثار مخاوف بشأن انتهاكات محتملة لحقوق الإنسان. ويقضي القرار الوارد في التعميم رقم 121 في 10 من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بفرض غرامات تتراوح بين 3000 ليرة تركية إلى 60 ألف ليرة تركية على الأفراد الذين يتم القبض عليهم أثناء محاولتهم عبور الحدود بين تركيا وسوريا بشكل غير قانوني، وكذلك العكس. . ويبحث هذا التقرير في تداعيات هذا القرار من صلاحية و اختصاص المجلس المحلي في إصدار هذا النوع من القرارات و توافقها مع القانون و الدستور وتوافقها مع منظور حقوق الإنسان.
تجاوزات القضائية
نصت المادة (30) من قانون الإدارة المحلية الصادر بالمرسوم رقم 107 لعام 2011 تختص المجالس المحلية في نطاق السياسة العامة للدولة بتسيير شؤون الإدارة المحلية فيها وجميع الأعمال التي تؤدي إلى تطوير المحافظة “اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وعمرانياً” بما يتماشى مع التنمية المستدامة والمتوازنة في مجالات التخطيط، الصناعة، الزراعة، الاقتصاد والتجارة، التربية، الثقافة، الآثار، السياحة، النقل والطرق، الري، مياه الشرب والصرف الصحي، الكهرباء، الصحة، الشؤون الاجتماعية والعمل، الخدمات والمرافق، المقالع والثروة المعدنية، إدارة الكوارث والإطفاء، إدارة وتنظيم السير ومراكز إجازات السوق، البيئة، الرياضة والشباب، المشاريع المشتركة بين الوحدات الإدارية.
حيث أن القرار الاداري لكي يصدر صحيحا لا بد وأن تتوافر له أركان ، واذا تخلف ركن منها فإن القرار يصبح معيبا باطلًا قابل للإلغاء والإبطال و أحد أهم هذه الأركان هو الاختصاص ومبدأ تحديد الاختصاص يتطلب من الموظف العمومي أن يمارس عمله في حدود اختصاصه المخول له قانوناً فإذا صدرت قراراته في حدود هذا الاختصاص كانت مشروعة، وأما اذا صدر منه قرار خارج حدود اختصاصه فإن هذا القرار يكون باطلًا بسبب عدم الاختصاص. ويعرّف الفقيه الفرنسي لافريير الاختصاص بأنه القدرة القانونية التي يملكها موظف عمومي أو سلطة عامة ، وتخول له حق اتخاذ قرار معين. ركن الاختصاص له ثلاث صور هي : الاختصاص الزماني والمكاني والموضوعي.
ما الاختصاص الموضوعي: عندما يعيّن موظف في وظيفة عامة فإنه يعهد إليه بمباشرة اختصاصات في مواضيع محددة يجب أن يمارس وظيفته في حدود هذه الاختصاصات ولا يخرج عنها ، فإذا تعداها فإن قراراته تكون عندئذ باطلة ويجوز الطعن فيها بعدم الاختصاص. بل وأحياناً عدم الاختصاص يتسبب في أنه يجعل القرار “قرار معدوم” وليس فقط باطل، ويعتبر في هذه الحالة (عدم اختصاص جسيم) .
بالعودة إلى التعميم الصادر عن المجلس المحلي لمدينة جرابس نجد أن التعميم ليس من ضمن صلاحيات المجالس المحلية بداية وفق نص المادة 30 من قانون الإدارة المحلية و قد نجد قائل يقول أن هذه السلطات وسعت اختصاصاتها وفق نظامها الداخلي كسلطات أمر واقع كي تستطيع ادارة المناطق المحررة هذا صحيح من الناحية النظرية و لكنه خطأ جسيم من الناحية القانونية كون هذه المناطق يوجد فيها محاكم و سلطة قضائية و تعمل هذه السلطات وفق القانون السوري الذي يفصل صلاحيات المجالس المحلية و صلاحيات السلطة القضائية و صلاحيات السلطة التشريعية ويعتبر هذا التعميم هو اعتداء سلطة على سلطة أخرى ناهيك أن القانون السوري قد نص وفق القانون رقم 9 لعام 2013 بعقوبة على كل من يخرج من البلاد بطريقة غير مشروعة ويعد مرتكب لجرم يعاقب عليه القانون السوري فقد نص على ( كل شخص يدخل الإقليم السوري بطريقة غير مشروعة يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، والغرامة من خمسة ملايين إلى عشرة ملايين ليرة سورية، أو بإحدى هاتين العقوبتين
لذلك فإن القرار صدر من سلطة لا تمتلك وفق القانون الاختصاص الموضوعي لإصداره و حيث أن ركن (الاختصاص) هو الركن الوحيد للقرار الذي يعتبر من النظام العام أي أنه: لا يجب النص على ضرورة صدور القرار من مختص بل هي قاعدة مفترضة من النظام العام و لا يجوز التنازل عن ركن الاختصاص ولا الاتفاق على خلاف ذلك ويمكن للقاضي التصدي له بنفسه والنظر في توافره حتى لو لم يثار موضوع الاختصاص من قبل المدعي بل ويكون أول ركن ينظر فيه القاضي.
لذلك وفق لما سبق فإن القرار الذي يصدر من سلطة غير مختصة موضعا يعتبر وفق القانون ( قرار معدوم ) و ليس باطلا فقط و هذا تشدد نص عليه المشرع لفرض الحماية القانونية للفصل ببن اختصاص السلطات ، فأثره معدوم ولا يجب على الشخص الصادر ضده القرار أن ينفذه وامتناعه عن التنفيذ لا يعرضه لعقوبات كما أن القرار المعدوم لو أراد الشخص أن يطعن فيه ويرفع دعوى الغاء لتأكيد الغاءه وحتى يمنع الادارة من تنفيذه فإنه يستطيع رفعها في أي وقت دون أن يكون ملزم بمدة الستين يوم والتي يتحصن بعدها القرار لو كان باطل وفق للقانون
تحليل انتهاكات حقوق الإنسان
إن التعميم المذكور ينتهك حقوق الإنسان من عدة نواحي وهي
- انتهاك حرية التنقل: يبدو أن القرار يحد من حرية تنقل الأفراد من خلال فرض عقوبات مالية على من يحاول عبور الحدود بشكل غير نظامي. وبينما يحق للدول إدارة حدودها، فإن هذه التدابير يجب أن تكون متسقة مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، التي تحمي الحق في حرية التنقل.
- الحق في طلب اللجوء: هناك انتهاك محتمل للحق في طلب اللجوء. إذا كان بعض الأفراد يعبرون الحدود هربًا من النزاعات أو الاضطهاد ويتعرضون لغرامات دون النظر بشكل مناسب في طلبات اللجوء الخاصة بهم فقد يتعارض ذلك مع حقهم الأساسي في طلب اللجوء.
- الافتقار إلى الإجراءات القانونية الواجبة: يفتقر القرار إلى إجراءات قانونية شفافة وعادلة لفرض الغرامات وإتاحة الفرصة للأفراد للطعن فيها. وقد يؤدي غياب الإجراءات القانونية الواجبة إلى عقوبات تعسفية وغير عادلة مما ينتهك الحق في محاكمة عادلة والحماية القانونية بموجب العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية و اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية
وفي ضوء التحليل المقدم، فمن الواضح أن قرار فرض غرامات على المعابر الحدودية من قبل المجلس المحلي لمدينة جرابلس يثير مخاوف كبيرة بشأن الانتهاكات المحتملة لحقوق الإنسان.وتشمل هذه الانتهاكات القيود المفروضة على حرية التنقل، والانتهاكات المحتملة للحق في طلب اللجوء و الحق في محاكمة عادلة وغياب الإجراءات القانونية الواجبة، وتجاوز الولاية القضائية، واحتمال التمييز.
ويؤكد هذا التقرير على ضرورة إجراء تقييم شامل لحقوق الإنسان لمثل هذه القرارات لضمان امتثالها للمعايير والمبادئ الدولية لحقوق الإنسان.