القانون رقم 16 لعام 2022 – قانون تجريم التعذيب.
أولاً : ملخص عن مواد القانون :
وتضمنت المواد الواردة في مشروع القانون :
1- تعريف مفهوم جريمة التعذيب، وعدداً من العقوبات بحق مرتكبيها. وجاء نص المرسوم بما يتوافق مع الالتزامات الدستورية للدولة السورية التي تحرّم التعذيب ومع أحكام اتفاقية مناهضة التعذيب التي سبق وأن صادقت عليها الجمهورية العربية السورية.
2- العقوبات في القانون تدرجت لتصل إلى “الإعدام إذا نجم عن التعذيب موت إنسان، أو تم الاعتداء عليه بالاغتصاب، أو الفحشاء أثناء التعذيب، في حين تكون العقوبة السجن المؤبد إذا وقع التعذيب على طفل، أو شخص ذي إعاقة، أو نتجت عنه عاهة دائمة“.
3- كما يعاقب القانون “بالسجن لمدة 8 سنوات على الأقل كل من ارتكب عملية تعذيب، أو شارك فيها، أو حرض عليها سواءً كانت للحصول على اعتراف، أوبهدف التحقيق لمآرب شخصية، أو مادية، أو سياسية، أو بقصد الثأر أو الانتقام. وبالسجن عشر سنوات على الأقل لكل من ارتكب التعذيب بحق موظف بسبب ممارسته لمهامه“.
4- وينص القانون أيضاً على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان الحق في تقديم الشكاوى أو الإبلاغ عن التعذيب، وتوفير الحماية لمقدم الشكوى، أو الإبلاغ عن الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، والحفاظ على السريّة، وحماية الشهود والخبراء وأفراد أسرهم“.
ثانيا : التعذيب في التشريعات السورية و القانون الدولي :
1- الدستور السوري : تضمنت الدساتير المتتالية في سوريا منعًا للتعذيب، وقد نصّت المادة 28 من دستور 1973 على حظر التعذيب جسديًا أو معنويًا وحظر المعاملة المهينة، كما نصت المادة 10 من دستور 2012 على ما يلي: “لا يجوز تعذيب أحد أو معاملته معاملة مهينة، ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك”.
2- قانون العقوبات العام : ورد العقاب على جريمة التعذيب في قانون العقوبات العام ؛ حيث نصت المادة 391 منه على الحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، لمن سام شخصًا ضروبًا من الشدة لا يجيزها القانون، رغبة في الحصول على إقرار عن جريمة أو على معلومات بشأنها، وإذا أفضت أعمال العنف عليه إلى مرض أو جراح؛ كان العقاب الحبس سنة. وهو نصّ لا يشمل سوى من يتولون التحقيق في جرائم، ولا يشمل بالطبع التعذيب الذي يتم خارج هذا النطاق.
3- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : نص المادة /5/: لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطَّة بالكرامة.
4- العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية : الذي ينص في المادة / 7/ على أنه لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة.وعلى وجه الخصوص، المادة /9 / كل فرد حق في الحرية وفى الأمان على شخصه. ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفاً. المادة /10/ يعامل جميع المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية، تحترم الكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني.
5- اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 المادة رقم /3/ المشتركة والمتعلقة بالنزاع المسلح غير الدولي تؤكد على منع التعذيب. المادة /75/ من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف و المادة 4 من البروتوكول الإضافي الثاني منه.
6- القانون الجنائي الدولي : اعتبرت المادة 7 ـــــ 1 من نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية فعل التعذيب جريمةً ضد الإنسانية متى ارتكبت في هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم.
كما اعتبرت المادة 8 منه التعذيب جريمة حرب، وخاصةً إذا تم التعذيب في حالة النزاع المسلح غير الدولي، كانتهاك للمادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف، ولا يقتصر التعذيب هنا على العنف المادي بل إنه يشمل المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة.
7- اتفاقية مناهضة التعذيب : “اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة” التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1984 لتمنع التعذيب منعًا مطلقًا. وقعت سوريا على المعاهدة الدولية لمناهضة التعذيب و أصدر رئيس النظام السوري مرسوما تشريعيا في عام 2004 يقضي “بانضمام سوريا الى اتفاقية مناهضة التعذيب ولكن المرسوم التشريعي نص على عدم اعتراف سوريا باختصاص لجنة مناهضة التعذيب المنصوص عليه في المادة 20 من الاتفاقية المذكورة والتي تسمح للجنة بالقيام بالتفتيش في السجون بشكل مفاجئ ودوري للتأكد من عدم ممارسة التعذيب“.
ثالثا : التحليل القانوني لتطبيق قانون تجريم التعذيب :
على الرغم أن النظام السوري أصدر قانون يجرم التعذيب، لكن توجد مراسيم تعيق الملاحقة القضائية والقانونية، وتطبيق و إنفاذ العقوبة بحق مرتكبي جرائم التعذيب، خاصة من موظفي الدولة من الأجهزة الأمنية (المخابرات العسكرية والمخابرات الجوية والمخابرات العامة). ولم ينص القانون رقم / 16/ لعام 2022 على إلغائها صراحةً حتى لا تكون نافذة و يوقف العمل بها. هذه المراسيم هي :
1- المرسوم التشريعي رقم / 69 / لعام 2008: وبموجبه جرى تعديل قانون العقوبات العسكرية في سوريا، حيث نصت مواد هذا المرسوم الجديد على حصر قرار ملاحقة عناصر الشرطة والأمن السياسي والجمارك المتهمين بممارسة التعذيب بالقيادة العامة للجيش والقوات المسلحة رغم أنهم يتبعون إدارياً لوزارة الداخلية وليس للقيادة العامة للجيش والقوات المسلحة.
2- المرسوم التشريعي رقم / 14 / لعام 1969- قانون إحداث إدارة أمن الدولة:
المادة ( 16 ) : ( لا يجوز ملاحقة أي من العاملين في إدارة أمن الدولة عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء تنفيذ المهمات المحددة الموكلة إليهم أو في معرض قيامهم بها إلا بموجب أمر ملاحقة يصدر عن المدير).
3- المرسوم التشريعي رقم / 549 / لعام 1969 : قانون التنظيمات الداخلية لإدارة أمن الدولة وقواعد خدمة العاملين فيها المادة ( 74 ) ( لا يجوز ملاحقة أي من العاملين في إدارة أمن الدولة، أو المنتدبين، أو المعارين إليها، أو المتعاقدين معها مباشرة أمام القضاء، في الجرائم الناشئة عن الوظيفة، أو في معرض قيامه بها قبل إحالته على مجلس التأديب في الإدارة واستصدار أمر ملاحقة من قبل المدير). وقد كان من الممكن إقامة دعاوى ضد عناصر الشرطة والأمن السياسي وعناصر الجمارك على الانتهاكات التي تتعلق بالتعذيب ” أثناء ممارستهم عملهم ” أمام المحاكم العادية، حيث تم إغلاق هذا الباب بموجب المرسوم رقم /69/ لعام 2008.
لذلك يستوجب : أن يكون القانون الصادر ينص صراحة عن إلغاء كافة المراسيم و القوانين التي تعيق تطبيق أحكام هذا القانون.
4- عدم اعتراف النظام السوري في المرسوم الذي أصدره بالانضمام إلى اتفاقية مناهضة التعذيب باختصاص لجنة مناهضة التعذيب المنصوص عليه في المادة 20 من اتفاقية مناهضة التعذيب التي تسمح للجنة بالقيام بالتفتيش في السجون بشكل مفاجئ ودوري للتأكد من عدم ممارسة التعذيب. وقد صادقت سوريا على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة بتاريخ 1/7/2004 ، وأصبحت الاتفاقية منذ ذلك الحين جزءً من تشريعها الوطني، علماً بأنَّ مواد الاتفاقية المشار إليها أعلاه لا تتعارض مع مواد وأحكام الدستور.
من الجدير بالذكر أنَّ القانون الوطني قد نصَّ أنه وفي حال تعارض أي قانون وطني مع أحكام أيةِ معاهدةٍ دوليةٍ، تكون حكومة الجمهورية العربية السورية طرفاً فيها تكون الغلبة للمعاهدة الدولية. وقد قضى قرار محكمة التمييز رقم 23 لعام 1931 بأنه “ليس لقانون داخلي أن يضع قواعد مخالفة لأحكام معاهدة دولية سابقة له، أو أن يغير ولو بصورة غير مباشرة في أحكام نفاذها”. كما نصَّت المادة 25 من القانون المدني السوري على عدم سريان أحكام المواد السابقة أو المخالفة لمعاهدة دولية نافذة في سوريا. بالإضافةِ إلى أنَّ قانون أصول المحاكمات المدنية في سوريا قد نصَّ في المادة 311 منه على أنَّ العمل في القواعد المتقدمة لا يخل بأحكام المعاهدات المعقودة والتي تعقد بين سوريا وغيرها من الدول في هذا الشأن فالقانون السوري أقر بمبدأ ترجيح تطبيق أحكام المعاهدة الدولية على القانون الداخلي عند وجود تعارض بينهما كإصدار قانون تجريم لتعذيب منقوص قانوناً كون موجود هذا التجريم سواء بالاتفاقية التي صادق عليها النظام السوري أو بمواد الدستور و مواد قانون العقوبات السابق ذكرها.
لذلك يستوجب : بدلاً من إصدار قانون يجرم التعذيب أن يصدر مرسوم اًتشريعياً يلغي عدم اعتراف النظام السوري باختصاص لجنة مناهضة التعذيب المنصوص عليه في المادة 20 من الاتفاقية وأن يفتح السجون والمعتقلات والأفرع الأمنية للجان الدولية لإجراء تفتيش دوري ومفاجئ عليها للتأكد من عدم ممارسة منهجية التعذيب التي أصبحت سلوك متأصل ضمن هذه المؤسسات الأمنية.
ويستوجب أيضاً : أن يوقع النظام السوري على ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية إن كان يريد تحقيق العدالة للشعب السوري و يكون شفافا أمام المجتمع الدولي . وتشكل لجان قضائية مشتركة دولية ووطنية لمحاسبة و محاكمة مرتكبي جرائم التعذيب بحق الشعب السوري وفق تسلسل المسؤولية ومحاكمتهم عنها وفق القانون الوطني أو القانون الدولي كجريمة حرب أو جرائم ضد الإنسانية، وتطهير أجهزة الدولة من كلّ من ساهم فيها، إضافةً إلى تحقيق العدالة لضحايا التعذيب من ناجين ومن ذوي القتلى تحت فعل التعذيب، والتعويض عليهم باسم الدولة السورية.
الخاتمة :
1- مشكلة سوريا ليست في عدم وجود قوانين بل في عدم احترامها من قبل النظام و أجهزته الأمنية. فهناك نصوص قانونية قبل هذا المرسوم تجرم التعذيب، و لكن المشكلة تتجسد أصلًا في طبيعة تركيبة هذا النظام وطريقة إدارته لشؤون البلد وجميع مؤسساته. وتحكم أجهزته الأمنية بكل مفاصل الدولة وهي فوق المحاسبة و المسألة القانونية لذلك هذه السلطة المطلقة جاءت مفسدة لجميع هذه الأجهزة وجعلت سلوكها الوحيد هو العنف و الوحشية، ولغة القوة الوسيلةً الوحيدةً لمخاطبة السوريين والتعامل معهم. كما جعلت من التعذيب أسلوبًا أساسيًا في العمل على تحطيم إرادة السوريين والسعي لجعلهم عبيداً لهذا النظام و منظومته الأمنية، فقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بتقريرها الصادر لعام 2019 اثنان وسبعون أسلوباً للتعذيب استعملها النظام السوري في سجونه. لذلك وجود هذا النمط من الحكم ووقاحته بإصدار هذا القانون، و قد أبدع في ابتكار وسائل التعذيب، يؤكد بما لا يدع مجال للشك بانفصامه عن الواقع. ولم يعد وجود هذا النظام مشكلة فحسب بل أصبح معضلة للسوريين لا مخرج منها سوى برحيل هذا النظام ومنظومته الامنية و محاكمة كافة مرتكبي هذه الجرائم بحق السوريين.
2- قد يظن النظام بكذبه ووقاحته المعهودين أن إصدار مثل هذا المرسوم سوف يعفيه من المحاسبة حيث أن القانون سيكون درع حماية له أمام المجتمع الدولي بأنه أصدر ما يجرم التعذيب وهو لا يسمح بهذه الأفعال، وأمام القضاء الوطني أن الجرم أصبح جنائي الوصف من تاريخ نفاذه متناسياً، أولاً، ما تم ذكره في الفقرة، وثانياً أن التعذيب محرم دوليا ً بموجب اتفاقية حقوق الإنسان و العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية . وأن القانون سوف يحاسب مرتكبي هذه الجرائم في حال الوصول لتسوية سياسية في سوريا وإنشاء سواء محاكم دولية أو محاكم مختلطة او حتى محاكم وطنية فلا يغير قانوناً من الأمر شيء إصدار قانون وطني يؤكد قاعدة أمرة في القانون الدولي وسوف يطبق القانون على من ارتكب جرم التعذيب ولن يعطي هذا القانون مبررا للإفلات من المساءلة والعقاب.
3-وحيث أنه تم الاتفاق دولياً بعدم اللجوء للحسم العسكري ولا يوجد حل سياسي يلوح بالأفق و خاصة مع التعقيدات و التجاذبات السياسية التي تشهدها المنطقة، لذلك يجب العمل جدياً من الدول الفاعلة في الملف السوري على تنفيذ القرار /2254/ لعام 2015 الصادر عن مجلس الأمن بتحقيق الانتقال السياسي الفعلي الذي سعى له السوريين منذ انتفاضتهم ضد هذا النظام ومنظومته التي حكمت سوريا لأكثر من 50 عاماً بالحديد و النار وقدموا كل أنواع التضحيات لتحقيق هذا الهدف فلا حل في سوريا دون تحقيق هذا البند بالتوافق على دستور يمثل السوريين جميعاً تكون مبادئ حقوق الإنسان جزءً أصيلًا منه. تحترم وتصان فيه حرية و كرامة المواطن السوري و تلغى كافة النصوص التي تعطي تحكم السلطة التنفيذية بالقرار في الدولة و تصادر صلاحيات السلطة التشريعية والقضائية وتحقيق العدالة الانتقالية التي من دورها إصلاح المؤسّسات الأمنية و العسكرية بحيث يكون ولائها للشعب السوري وحده. و إجراء الملاحقات القضائيّة وتشكيل لجان الحقيقة تحقيق المحاسبة العادلة والتّعويض عن الضّحايا باسم الدولة السورية المنتخبة شرعياً التي تمثل الإرادة الحقيقة للسوريين والتي تشكل العقد الاجتماعي الذي سوف يتوافق عليه السوريين لبناء سوريا المستقبل لكل السوريين و تحقيق السلام الدائم.