الدفاع المشروع.. مفهومه القانوني ومتى يكون مبرراً وفق القانون السوري؟

وزارة العدل السورية في دمشق

تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر سارق دخل إلى خيمة في مخيمات الشمال السوري المحرر منطقة حارم و شعر بدخوله أحد قاطني هذه الخيمة فقام بملاحقته وقام بإطلاق النار باتجاهه ورغم هروبه مسرعا خارج الخيمة استمر بإطلاق النار وقد القت هذه الحادثة بظلالها على الواقع في الشمال السوري، في ظل ظاهرة انتشار السلاح فقد يتعرض أحد للاعتداء أو السرقة ويضطر للدفاع عن نفسه أو ماله أو للدفاع عن غيره، وربما بدفاعه هذا قد يحدث ماكان غير متوقع، وقد يرتكب جريمة فما حكم القانون السوري بهذا وما الدفاع المشروع، ومتى يكون مبررا ومتى يكون جريمة يعاقب عليها القانون.

ما هو الدفاع المشروع؟

عرف المشرع السوري الدفاع المشروع حق يستعمله شخص لدفع اعتداء غير محق ولا مثار وشيك الوقوع على نفسه أو ماله أو نفس غيره أو ماله، وقد تطرق المشرع السوري للدفاع المشروع في المادة 183 من قانون العقوبات فقد نصت على:

  •  يعد ممارسة للحق كل فعل قضت به ضرورة حالية لدفع تعرض غير محق ولا مثار عن النفس أو الملك أو نفس الغير أو ملكه.
  •  ويستوي في الحماية الشخص الطبيعي والشخص الاعتباري.
  • إذا وقع تجاوز في الدفاع أمكن إعفاء فاعل الجريمة من العقوبة في الشروط المذكورة في المادة الـ 227

 

الطبيعة الاجتماعية

الدفاع المشروع موقف يفرضه منطق عقلي واجتماعي وغريزي، فهذا المنطق لا يرضى أن يتحمل الإنسان صاغراً اعتداء أحد عليه، ليذهب فيما بعد إلى السلطة العامة يشكو أمره إليها، ويفترض أن يرد المعتدى عليه بنفسه، أو بمعاونة غيره، على العدوان ويوقفه حتى لو احتاج الأمر إلى إيذاء المعتدي أو جرحه أو حتى قتله. إن المعتدي يثير باعتدائه رد فعل المعتدى عليه فهو البادئ بالعدوان وعليه أن يتحمل نتائج عدوانه.

الطبيعة القانونية

الدفاع المشروع حق قانوني يستعمله المعتدى عليه لإيقاف العدوان وليس سلطة بيده لتوقيع العقاب على المعتدي أو لتأديبه أو للانتقام منه, فهو صاحب حق، وعلى صاحب الحق أن يستعمل حقه ضمن الحدود التي يرسمها القانون لهذا الحق (المواد 182- 183 من قانون العقوبات، والمادة 6 من القانون المدني).

شروط الدفاع المشروع  وفق القانون السوري :

يتكون الدفاع الشرعي من فعلين رئيسين ومتلازمين هما: الاعتداء والدفاع. ولكل من هذين الفعلين شروط لابد من توافرها لقيام حالة الدفاع الشرعي.

الاعتداء

  • يشترط أن يكون الاعتداء والتعرض غير المحق

استعمل  المشرع السوري عبارة “تعرضٍ غير محقٍ “ وتعني  على وجه التحديد ،خطر الاعتداء، وليس الاعتداء كاملاً، فالدفاع الشرعي لا يستلزم أن يتحقق الاعتداء فعلاً لكي يبدأ الدفاع، وإنما بمقدور المعتدى عليه أن يرد الاعتداء بمجرد ظهور خطره، أي بمجرد تهديده بخطر على النفس أو المال، ويكون خطر الاعتداء غير محق حتى لو صدر عن شخص غير مسؤول جزائياً كالصغير غير المميز والمجنون والسكران والمكره ومن يوجد في حالة ضرورة فقد رفع المشرع عن هؤلاء الأشخاص المسؤولية الجزائية لعدم توافر القدر اللازم من الإدراك لديهم لتكوين أهليتهم الجزائية، ولكن أفعالهم تظل مع ذلك غير مشروعة  يكون خطر الاعتداء غير محق أيضاً عندما يصدر عن شخص يستفيد من عذر محل أو عذر، وتطبيقاً لشرط الاعتداء غير المحق، فإنه لا محل للدفاع إذا كان الخطر محقاً.

ويكون الخطر محقاً عندما يستفيد محدث الخطر من سبب تبرير لذلك يشترط في الشخص لكي يستفيد من سبب تبرير، أن يلتزم بشروط هذا السبب، أما إذا تجاوز هذه الشروط فإنه يفقد سند التبرير، وبالتالي يرتكب جريمة. وهذا التجاوز يعطي الحق لمن يتعرض للخطر أن يرد عليه لإيقافه.

  • الخطر الحقيقي والخطر الوهمي

يشترط في الدفاع الشرعي أن يكون الخطر حقيقياً لا وهمياً، فلمشرع أسبغ على الدفاع صفة الشرعية لأنه يحقق وظيفة اجتماعية معينة، وهذه الوظيفة لا تؤدى إلا إذا وجد الاعتداء في الواقع وليس في اعتقاد المعتدى عليه.
المشرع في سورية اتجه إلى المساواة بين الخطر الحقيقي والخطر الوهمي، وقبل بوجود حالة الدفاع الشرعي عندما يكون الخطر وهمياً، شريطة أن يكون الفاعل قد بنى اعتقاده بوجود الاعتداء على أسباب معقولة مبني على ظروف موضوعية، وأن لا يصدر عن الضحية  فعل إيجابي يبرر هذا الاعتقاد، فإن الفاعل يكون في حالة، غلط مادي

  • أن يكون الاعتداء غير مثار

يقصد بهذا الشرط ألا يأتي المعتدى عليه قولاً أو فعلاً يحمل المعتدي على استعمال العنف ضده، أو ألا يكون المعتدى عليه هو الذي أحاط المعتدي بقوله أو بفعله بظروف دفعته إلى القيام بردود فعل كان من شأنها تهديد المعتدى عليه بالخطر ووضع المشرع هذا الشرط حتى يكون يكون موقف المدافع نقياً من كل شائبة عدوان، لكي يستحق منحه حق الدفاع الشرعي.

  •  ان يكون الاعتداء يشكل جريمة على  النفس أو المال

تشمل جرائم النفس الجرائم الواقعة على حياة الإنسان وسلامته، كالقتل والإيذاء، والجرائم الواقعة على الحرية، كحبس الأشخاص وتوقيفهم وخطفهم، والجرائم الواقعة على العرض، كالاغتصاب والفحشاء والخطف، والجرائم الواقعة على الشرف أو الاعتبار، كالذم والقدح والتحقير. وتشمل جرائم المال جميع الجرائم الواقعة على الأموال، كالسرقة والاحتيال والاغتصاب والحريق والإتلاف والهدم والتخريب ونزع التخوم واغتصاب العقار والتعدي على المزروعات والحيوانات والآلات الزراعية.

الدفاع

الدفاع فعل أو امتناع عن فعل يقوم به الشخص المعتدى عليه أو الشخص المهدد حقه بالعدوان، أو يقوم به الغير، وذلك لرد عدوان أو دفع خطره، يوجب المشرع السوري في الدفاع توافرثلاث شروط

  1.  أن يكون الدفاع لازماً.
  2. أن يكون الدفاع متناسباً مع الاعتداء
  3. أن يكون الاعتداء مازال قائما

 

  • أن يكون الدفاع لازما

جب أن يكون استعمال القوة هي الوسيلة الوحيدة لدفع الاعتداء فالدفاع المشروع وسيلة احتياطية لا يجوز اللجوء إليها إلا إذا تعذر رد الاعتداء بوسائل أخرى غيرها. فمن يتوافر لديه الوقت الكافي لإبلاغ الاعتداء إلى السلطات العامة والاحتماء بها فعليه أن يفعل ذلك، وإلا فإن دفاعه لا يكون مشروعاً فمن يصادف لصا يهم بالدخول فمن يقتل لصاً وهو يهم بدخول منزله، في الوقت الذي يستطيع فيه رده بمجرد أن ينتهره أو يصيح عليه فيعتبر دفاعه غير مشروعا.

  • الدفاع متناسباً مع الاعتداء

يجب أن تكون  القوة قد استعملت بالقدر اللازم لدفع الاعتداء أي أنه لا يجوز للمدافع أن يتجاوز حدود الدفاع المشروع فقد أعطى المشرع للفرد حق رد العدوان الواقع عليه، ولكنه قيد هذا الحق في الوقت ذاته بضرورة التزام قواعد ممارسته. فلكل عدوان خطر معين، ويتوجب على المدافع أن يرد هذا الخطر بفعل يتناسب معه. وذلك أمر بديهي مادامت الحكمة من الدفاع الشرعي هي دفع الخطر لا عقاب المعتدي أو الانتقام منه ويخضع هذا الشرط لمعيار موضوعي وهو تصرف الرجل المعتاد في هذه الظروف ماذا يتصرف وعند تطبيق هذا المعيار الموضوعي من قبل قاضي الموضوع فإنه لا يمكن إغفال بعض العوامل الشخصية، مثل سن المدافع، وجنسه، وقوته البدنية، وسعة حيلته وهدوء أعصابه، وتأثير ظروف الزمان والمكان عليه. ولابد في جميع الأحوال من أن تُؤخذ بالحسبان الوسيلة المتاحة بين يدي المدافع لتجنب الخطر

  • أن يكون الاعتداء مازال قائما

أن يكون الاعتداء ما زال موجودا ومستمرا فمثلا لو ضرب المعتدى عليه وهرب فلا يعود الدفاع هنا لازما,فلو ضرب المعتدى عليه بعد ذلك لكان الفعل يشكل انتقاما وليس دفاعا لأن الدفاع بالأصل هو تفاد للخطر و في مثال الفيديو الذي تم طرحه في مقدمة المذكرة قام الرجل رغم هروب السارق بملاحقته و الاستمرار بإطلاق النار عليه هذا الفعل يتجاوز حق الدفاع المشروع لأنه يعد هروب السارق تفادي الخطر و فعل الشخص يعد في سياق الانتقام.

الأثار القانونية المترتبة على الدفاع المشروع

الدفاع المشروع في حال توافر الشروط السابق ذكرها يمحو الجريمة كليا ، وبالتالي فإنه يعدم المسؤولية الجزائية والمدنية معا ، ويمحو العقوبة تماما و يستفيد من الدفاع المشروع الفاعل والمحرض والمتدخل والدفاع المشروع تثيره المحكمة من تلقاء نفسها وحتى لو لم يثره المتهم و يدخل ذلك في سلطة قاضي الموضوع. إلا أن تطبيق شروط الدفاع الشرعي مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض أما في حال مخالفة الشروط الوادر ذكرها  فلا يعد دفاع مشروعا حسب نص المادة 6 من القانون المدني، ويكون استعمال الحق غير مشروع في الأحوال الآتية:

  • إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير.
  •  إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية، بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها.
  •  إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة.

أن الدفاع المشروع فعل وهو سبب تبرير وهو حق قانوني للرد على فعل غير محق صادرعن إنسان ينشأ الخطر على المعتدي عليه و يرجح  فيه حالة الدفاع المشروع حق المعتدى عليه في الحياة و الاموال على حق المعتدي في الحياة. وهذا السبب الرئيسي  لوجود حق الدفاع المشروع الذي يؤدي وظيفة اجتماعية. وتكون الضحية في الدفاع المشروع شخص مذنب يحق للمعتدى عليه في الدفاع  المشروع أن يرد الاعتداء مهما كانت درجة جسامة الخطر شريطة أن يتحقق التناسب بين الخطر والدفاع و هذا الحق يستفيد منه المعتدى عليه وفق القانون بعدم المسؤولية الجزائية والمدنية معا ، ويمحو العقوبة تماما و إن تم مخالفة أحدى الشروط السابق ذكرها تكون الجريمة مقصودة.

Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram